تعرف على تقنية مبتكرة ابتكرها المهندس المكسيكي سيرجيو ريكو لتحويل مياه الأمطار إلى جل صديق للبيئة يحافظ على الرطوبة لمدة طويلة، مما يساعد على تقليل استهلاك المياه في الزراعة بنسبة تصل إلى 92%.
أعزاءنا القراء والمهتمين بالعلوم الزراعية المستدامة، نرحب بكم في هذا المقال العلمي الجديد من مدونة خليها تخضر، حيث نعرض لكم اليوم اختراعاً فريداً يمكن أن يغير مستقبل الزراعة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه. التقنية التي سنتناولها هنا قد تكون المفتاح لتأمين الغذاء في عالم يزداد عطشاً يوماً بعد يوم
خلفية عن أزمة المياه في العالم
الماء هو العنصر الأهم في حياة الإنسان والنبات، لكن التغيرات المناخية المتسارعة وارتفاع درجات الحرارة وتزايد عدد السكان وضعوا ضغطاً غير مسبوق على الموارد المائية. تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من ملياري إنسان يعيشون في مناطق تعاني من ندرة المياه، بينما يتوقع أن يزداد هذا الرقم بشكل حاد خلال العقود القادمة. في المقابل، يبقى القطاع الزراعي المستهلك الأكبر للمياه، إذ يحتاج لتأمين الري المستمر للنباتات من أجل النمو والإنتاج. هذه التحديات دفعت العلماء والمهندسين للبحث عن حلول مبتكرة غير تقليدية تضمن الحفاظ على الموارد المائية مع ضمان استدامة الإنتاج الزراعي
اختراع سيرجيو ريكو: الفكرة من المطر
من بين هذه الحلول، يبرز اختراع المهندس المكسيكي سيرجيو جيسوس ريكو فيلاسكو، الذي طور تقنية ثورية تعتمد على تحويل مياه الأمطار إلى مادة صلبة أو شبه صلبة يمكن تخزينها واستخدامها لفترات طويلة. تعتمد هذه الفكرة على استخدام مسحوق يدعى بولي أكريلات البوتاسيوم، وهو بوليمر صديق للبيئة يتحلل طبيعياً ولا يسبب أضراراً للتربة أو النباتات. عند تعرض هذا المسحوق للماء، يتحول إلى مادة هلامية قادرة على امتصاص أضعاف وزنها من المياه، محتفظة بالرطوبة لمدة قد تصل إلى 41 يوماً كاملة
كيف تعمل تقنية الجل المائي
العملية في جوهرها بسيطة ولكنها فعالة للغاية. عندما تهطل الأمطار يتم خلط مسحوق البولي أكريلات مع المياه ليشكل مادة جيلاتينية مرنة. يتم بعد ذلك خلط هذا الجل مع التربة الزراعية أو توزيعه بالقرب من جذور النباتات. يعمل هذا الجل كخزان صغير للمياه، يحررها تدريجياً وفق احتياج النبات. وبهذا الأسلوب، لا تفقد التربة المياه سريعاً بالتبخر أو التسرب، بل تبقى متاحة للنباتات لفترة أطول بكثير مقارنة بالري التقليدي. المذهل في هذا الاختراع أن كل كيلوغرام واحد من المسحوق قادر على امتصاص مئات اللترات من الماء، وهو ما يعادل تخزين كمية كبيرة تكفي لري المحاصيل لفترة طويلة دون الحاجة لإعادة الري بشكل متكرر
الأثر الزراعي والاقتصادي للتقنية
التجارب الزراعية أظهرت نتائج مبهرة. المزارع التي طبقت هذه التقنية لاحظت انخفاضاً في استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 92% مقارنة بأنظمة الري التقليدية. هذا يعني أن الحقول يمكن أن تنتج محاصيلها باستخدام جزء ضئيل فقط من الكميات المعتادة من المياه. إضافة إلى ذلك، يقلل هذا النظام من الحاجة إلى البنية التحتية المعقدة مثل شبكات الري المكلفة أو محطات الضخ. كما أنه يقلل من الوقت والجهد الذي يبذله المزارع في عمليات الري اليومية. اقتصادياً، يمكن لهذه التقنية أن تخفض تكاليف الإنتاج الزراعي بشكل ملموس، وتجعل الزراعة أكثر جدوى في المناطق شبه القاحلة والجافة التي كانت تعاني سابقاً من محدودية النشاط الزراعي
صداقة البيئة والتحلل الطبيعي
من أهم ميزات هذا الاختراع أن مادة البولي أكريلات البوتاسيوم المستخدمة تعتبر مادة قابلة للتحلل الحيوي، أي أنها لا تترك آثاراً سلبية في التربة ولا تسبب تلوثاً بيئياً. بل على العكس، فإنها مع مرور الوقت تتحلل وتختفي دون أن تؤثر على خصوبة الأرض أو تركيبتها. هذه الصفة تجعلها مختلفة عن العديد من المواد الصناعية الأخرى التي غالباً ما تثير القلق البيئي. وبالتالي يمكن القول إن هذه التقنية تمثل نموذجاً للتكنولوجيا الخضراء التي تجمع بين الفعالية والانسجام مع البيئة
مواجهة الجفاف وتغير المناخ
أحد أهم أوجه الأهمية لهذه التقنية هو دورها في التكيف مع التغيرات المناخية. مع ازدياد موجات الجفاف في مختلف أنحاء العالم، يحتاج المزارعون إلى حلول عملية تمكنهم من الاستمرار في الإنتاج. تقنية تحويل مياه الأمطار إلى جل صلب توفر هذا الحل بفعالية. فهي تمكن من تخزين مياه المطر في أوقات الوفرة واستخدامها لاحقاً في أوقات الشح، مما يخلق نوعاً من التوازن المائي الذي يحمي المحاصيل من الهلاك. إضافة إلى ذلك، فإنها تقلل من استنزاف المياه الجوفية التي تتعرض اليوم لضغوط هائلة بسبب الإفراط في الضخ
آفاق التطبيق العملي
رغم أن الاختراع انطلق في المكسيك، إلا أن آفاق استخدامه واسعة جداً وتشمل مناطق متعددة من العالم. يمكن اعتماده في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعاني من شح المياه، وكذلك في بعض المناطق الإفريقية والهندية التي تعتمد على الأمطار الموسمية. كما يمكن أن يكون مفيداً في الزراعة الحضرية وزراعة الأسطح حيث الموارد المائية محدودة. بعض المنظمات الزراعية بدأت بالفعل في إدماج هذه التقنية ضمن برامج التنمية المستدامة، وهناك اهتمام عالمي متزايد بها باعتبارها واحدة من الحلول العملية لمستقبل الأمن الغذائي
الجانب العلمي والتقني
البولي أكريلات البوتاسيوم ينتمي إلى عائلة البوليمرات فائقة الامتصاص، وهي مواد تتميز بقدرتها على امتصاص الماء بكميات تفوق وزنها عشرات أو مئات المرات. هذه الخاصية مرتبطة ببنيتها الكيميائية التي تحتوي على مجموعات سالبة الشحنة تجذب جزيئات الماء وتحبسها داخل شبكة البوليمر. مع مرور الوقت، يتم تحرير الماء تدريجياً بحسب احتياجات النبات، وهو ما يحاكي الطبيعة ولكن بطريقة أكثر كفاءة. من الناحية العلمية، هذه التقنية تمثل تطبيقاً ذكياً للكيمياء البوليمرية في خدمة الزراعة المستدامة
خلاصة
يمكن القول إن اختراع المهندس المكسيكي سيرجيو ريكو يمثل نقلة نوعية في مجال إدارة المياه الزراعية. هذه التقنية البسيطة في مكوناتها والعميقة في تأثيرها تعطي مثالاً حياً على كيف يمكن للابتكار العلمي أن يغير حياة المجتمعات ويجعل الزراعة ممكنة حتى في أصعب الظروف المناخية. ومع انتشار هذه التقنية عالمياً، يمكن أن نتصور مستقبلاً يصبح فيه الغذاء متاحاً بشكل أكبر بفضل حسن إدارة قطرة الماء
إعداد المقال: فريق "خليها تخضر"
شكرًا لقراءتك هذا المقال ونتمنى لك زراعة ناجحة ومثمرة
لا تنسَ متابعة مدونتنا قسم (الزراعة المستدامه) لمزيد من المعلومات الزراعية المفيدة بهذا الخصوص
مصدر الصورة: للمؤلف وكاتب هذا المقال
فريق خليها تخضر
اختراع مكسيكي لتحويل مياه الأمطار إلى جل صلب صديق للبيئة لمواجهة الجفاف
تعرف على تقنية مبتكرة ابتكرها المهندس المكسيكي سيرجيو ريكو لتحويل مياه الأمطار إلى جل صديق للبيئة يحافظ على الرطوبة لمدة طويلة، مما يساعد عل...